منحت اللجنة العليا لدرع «البلاد» للمسؤولية الاجتماعية للشركات «ميدالية التميز لشخصية العام» لرجل الأعمال الراحل فاروق المؤيد؛ تقديرًا لإسهاماته في المسؤولية الاجتماعية وتطوير مشروعات دعمت التعليم والصحة والبيئة والعمل التطوعي، وترسيخ قيم العطاء والتعاون في المجتمع البحريني.
وقامت “البلاد” بتدشين كتاب خاص عن إسهامات فاروق المؤيد بالمسؤولية الاجتماعية، وتضمن مشاهد تم توليده بالذكاء الاصطناعي لإبراز إسهامات الراحل المختلفة.
النشأة والتعليم
وُلد فاروق يوسف المؤيد في 26 مايو 1944 بالبحرين في عائلة تجارية عريقة أسسها والده يوسف خليل المؤيد، الذي كان صاحب متجر بارز في شارع باب البحرين.
ونشأ فاروق المؤيد في «البيت العود» بالمنامة وسط قيم أصيلة في التجارة والعلاقات الاجتماعية. ومنذ طفولته كان يرافق والده إلى المتجر بعد المدرسة؛ فاكتسب مبكرًا مهارات التعامل مع الزبائن وفهم السوق؛ ما أسّس شخصيته التجارية.
وبدأ تعليمه في مدارس البحرين وتميّز بالانضباط وحب التعلم، وفي منتصف الستينات سافر إلى المملكة المتحدة والتحق بكلية لوبورو لدراسة الهندسة الميكانيكية، وتخرّج في العام 1966.
وطوّرت الدراسة لديه التفكير التحليلي وحل المشكلات وأكسبته أفقًا عالميًا أوسع عن الأسواق الدولية، على الرغم من أن تخصصه لم يكن تجاريًا بحتًا.
بين العمل والأسرة
بعد عودته إلى البحرين بالعام 1966، فضّل أن يبدأ من الميدان موظفَ مبيعات في متجر العائلة بدل تولّي موقع قيادي، وأكسبه ذلك خبرة عملية في خدمة العملاء وفهم احتياجات السوق واحترام العاملين له، وشكّل حجر الأساس لرؤيته الاستراتيجية التي قاد بها لاحقًا مجموعة «يوسف خليل المؤيد وأولاده» للتوسع في قطاعات متنوعة، مع الحفاظ على سمعة العائلة في الثقة والالتزام.
وتزوّج من عائلة القصيبي السعودية وأنجب أبناء شاركوا في استمرار مسيرة العائلة، إذ برزت ابنته هلا في قطاع المقاولات، وتولّى ابنه محمد إدارة قسم التكنولوجيا. وأشرك المؤيد أبناءه في الأعمال مع منحهم حرية الابتكار، فترك إرثًا مستدامًا جمع بين العمل التجاري والعطاء المجتمعي وأسهم في دعم الاقتصاد ومبادرات التنمية.
رؤيته للمسؤولية الاجتماعية
امتازت رؤيته للمسؤولية الاجتماعية بالتوازن بين النجاح الاقتصادي والالتزام الاجتماعي والبيئي، مؤمنًا بأن الشركات شريك رئيس في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا في الاقتصادات الناشئة كدول الخليج.
وفي التعليم، كان من أوائل الداعمين للقطاع عبر مبادرات متعددة منها: «منحة يوسف وعائشة المؤيد الجامعية» للطلبة البحرينيين المتفوقين، ودعم «برنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية» بصفته راعيًا في الفئة الفضية، ومذكرة تفاهم مع «بوليتكنك البحرين» لتمكين الكوادر الفنية الشابة، ورعاية مسابقة روّاد الأعمال الشباب مع «إنجاز البحرين»، وإطلاق برنامج التدريب الصيفي «Evolve» لطلاب المدارس، ودعم 8 طلاب من “بوليتكنك” في مشروع «نظام الاستزراع المائي الملكي».
وكان من الآباء المؤسسين لمدرسة ابن خلدون الوطنية، وأسهم في وضع حجر الأساس قبل افتتاحها بالعام 1983، وترأس مجلس الأمناء بين 1996 و2013، ثم منذ 2018 حتى وفاته في 25 نوفمبر 2024، مقدمًا دعمًا معنويًا وماديًا واستشاريًا لتطوير برامجها ومرافقها.
وفي «العمل اللائق والنمو الاقتصادي»، آمن بأن توفير فرص عمل عادلة ومحترمة من أدوار الشركات، وبرز في التدريب الوظيفي عبر برنامج «فرص» لتزويد الباحثين عن عمل بخبرة عملية تسهم في البحرنة وتنمية المواهب، مع بيئة عمل قائمة على العدالة والتمكين وتكافؤ الفرص.
كما دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة كونها محرّكا للنمو، وأنشأ مركزًا لدعمها يوفّر مساحات وتجهيزات بأسعار رمزية تشجّع ريادة الأعمال.
وفي «الصحة والرفاه»، دعم برامج صحية خيرية ومؤسسات طبية، إذ شارك في بناء وتجهيز مركز الشيخ خليفة بن سلمان الصحي في عسكر، حين كان رئيس مجلس إدارة بنك البحرين الوطني، بتمويل يقارب 6 ملايين دينار من البنك، كما موّل حملات توعية صحية داخل العمل وخارجه (سرطان الثدي، السكري، أمراض القلب).
وأسس «مؤسسة يوسف وعائشة المؤيد للأعمال الخيرية» بالعام 2013 لحماية ومساعدة المحتاجين ودعم الرفاه البيئي والاجتماعي والاقتصادي.
وساهم في إنشاء مركز إعادة التأهيل والتبرع لوحدة غسيل الكلى في مستشفى السلمانية، وأسهم في إنشاء «وحدة محمد المؤيد لإعادة التأهيل» لدعم الشباب المتعافين من تعاطي المخدرات والكحول.
كما وقّع على اتفاقية مع وزارة الأشغال العامة والإسكان بالعام 2018 للإشراف على بناء مركز التصلب اللويحي في مركز المحرق الطبي، بتمويل كامل من بنك البحرين الوطني بتكلفة تقدّر بـ 1.7 مليون دينار.
وفي «الحد من أوجه عدم المساواة»، شجّع توظيف المواطنين من مختلف التخصصات، وتكافؤ الفرص لذوي الإعاقة، ودعم تمكين المرأة ومشاركتها في مواقع القرار داخل القطاع الخاص، كما ساهم في بناء وتجهيز منازل للأسر المتعففة ذات الدخل المحدود لتحسين ظروفهم المعيشية.
وفي «المناخ والبيئة»، شجّع ممارسات الاستدامة داخل الشركات (تقليل الهدر وإعادة التدوير وترشيد الطاقة)، ودعم «جمعية حفظ النعمة» للحد من هدر الطعام وإعادة استخدام الأغذية العضوية في الأسمدة.
ودعم حملات بيئية مجتمعية موجهة للمدارس والبلديات، وشاركت شركة يوسف خليل المؤيد وأولاده في حملة تنظيف السواحل ضمن اليوم العالمي للتنظيف. كما ساهم في زراعة الأشجار في ممشى سترة، وتبرّع لمؤسسة «نعم نستطيع» بأكثر من 3 آلاف نبتة صبّار زُرعت في أوعية بلاستيكية معاد استخدامها.
وعلى صعيد «الشراكات لتحقيق الأهداف»، أقام شراكات مع القطاع العام والمجتمع المدني، ونشط في دعم المنتديات والجمعيات التجارية والمهنية، فأثناء رئاسته لمجلس إدارة بنك البحرين الوطني خُصّص 5 % من الأرباح السنوية لبرامج المسؤولية الاجتماعية، قُدّم عبرها دعم لـ 81 منظمة محلية في 2023.
جائزة فاروق المؤيد
أثناء رئاسته الفخرية لـ “جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة”، أُطلقت «جائزة فاروق المؤيد لأفضل مشروع ناشئ» في فبراير 2021، بقيمة 5,000 دينار لصاحب أفضل فكرة مشروع من خريجي معهد البحرين للتدريب على ريادة الأعمال، مع جوائز للمركزين الثاني والثالث، وتوفير مقر مكتبي لعام في الحاضنات. كما افتُتحت حاضنة «ألواني» في فبراير 2018، وتتّسع لـ 99 شركة ناشئة بمساحات خاصة ومشتركة وقاعات اجتماعات، ورُفعت طاقتها 300 % لتلبية الطلب.
ونظّمت الجمعية «مؤتمر حاضنات ومسرعات الأعمال الخليجي السادس» في نوفمبر 2023 بمشاركة 24 متحدثًا و300 رائد عمل، الذي تناول التمويل ونقص السيولة والابتكار، بما يعكس التزام المؤيد بتعزيز دور القطاع الخاص في ريادة الأعمال والتنمية.
وفي دعم الثقافة والتراث الوطني، أدرك مبكّرًا أهمية الهوية الوطنية والثقافية في بناء مجتمع متماسك؛ فدعم المؤسسات الثقافية والمبادرات التي تعزّز الوعي بالتراث والتاريخ البحريني، ومول أنشطة ثقافية وتعليمية ذات بعد حضاري.
ورعى أمسية «تحية الأصدقاء» وتدشين كتاب «صانع البهجة» للفنان الراحل علي الغرير (سبتمبر 2023)، كما أشاد بكتاب «البحرين تاريخ وإنجازات (1971 - 2021)» للباحث عبدالكريم إسماعيل، عادا إياه وثيقة مهمة لتاريخ البحرين المعاصر.
وأسهم في تأسيس الجامعة الأهلية، وساهم في دعم متاحف ومراكز ثقافية، وكان من الداعمين الرئيسين لمتحف البحرين الوطني بما يقدّمه من مقتنيات تمتد لأكثر من 6 آلاف سنة.
ودعم مركز الجسرة للحرف اليدوية لاستقطاب الشباب وتعريفهم بأساسيات الحرف وتعزيز الصناعة السياحية. كما شجّع الفنون والمسرح، ورعى مبادرات مسرحية ومعارض للفنون التشكيلية، وأولى اهتمامًا بالمسرح البحريني عبر دعم مهرجانات وفعاليات مثل «مهرجان أوال المسرحي الدولي»، وساعد في دعم المواهب الشابة في الرسم والنحت والموسيقى المرتبطة بالتراث، ومن ذلك دعمه لـ «ربيع الثقافة». وساهم في تنظيم معارض لفنانين بحرينيين ناشئين مثل «ورق النخيل» و “الدفاتر الفنية» للفنان رافع الناصري، ودعم مبادرات كـ “مؤسسة راشد بن خليفة للفنون» لتمكين الفنانين والرياديين عبر الإرشاد والمعارض والتدريب وورش العمل.
وكان من الداعمين الرئيسين لمهرجان التراث السنوي الذي تنظمه هيئة البحرين للثقافة والآثار، وشارك في رعاية فعاليات وطنية تعبّر عن الهوية، وأسهم في الحفاظ على الموروث الشعبي عبر دعم مشروعات التوثيق والأرشفة وإنشاء مكتبات مواد تراثية وتشجيع الحرفيين المحليين بالمساندة المالية والمعنوية وتمكين مشاركاتهم في المعارض.
العمل الخيري المؤسسي
تبنّى المؤيد نهج «العمل الخيري المؤسسي» القائم على التخطيط والحوكمة والشفافية وقياس الأثر، محوّلًا العطاء إلى ممارسة استراتيجية مستدامة.
وأسّس في مجموعة «يوسف خليل المؤيد وأولاده» وحدة متخصصة للمسؤولية الاجتماعية لدراسة احتياجات المجتمع وتخطيط المبادرات ومتابعة التنفيذ، وقرّر منذ 1972 تخصيص 2.5 % من أرباح الشركة للأعمال الخيرية واستمرّ النهج بعده.
كما خصّص 5 % من أرباح بنك البحرين الوطني للأعمال الخيرية حين كان رئيسًا لمجلس الإدارة، بما يعادل نحو 50 مليون دينار على مدى السنوات لمشروعات صحية وتعليمية.
ولم يقتصر دعمه على المساعدات المباشرة، بل بنى شراكات استراتيجية مع مؤسسات أهلية وتعليمية وصحية، ودعم مشروعات ذوي الإعاقة والبرامج التنموية المعترف بها، ورعى مبادرات تطوعية شبابية عبر جهات رسمية. وساهم في تطوير التعليم العالي حين شغل رئاسة مجلس إدارة الجامعة الأهلية، وفي تطوير قطاع التجارة والتجزئة عبر «مجمع البحرين للأسواق الحرة» حين كان رئيسًا لمجلس الإدارة.
وتُجسّد هذه السيرة إرث فاروق المؤيد القائم على الجمع بين الريادة الاقتصادية والمسؤولية المجتمعية، ورؤيته للشراكات المؤسسية والاستدامة؛ ما ترك أثرًا متصلًا في التعليم والصحة والبيئة وريادة الأعمال والثقافة والتراث، ورسّخ نموذجًا عمليًا للعطاء المؤسسي في البحرين.